لطالما كانت إيطاليا وجهة مفضلة للنخبة العالمية، وهي تشهد اليوم تدفقاً متزايداً للأثرياء جداً. يجذبهم نظامها الضريبي الصديق للمستثمرين، وازدهار سوق العقارات، ونمط الحياة الفاخر — في وقت تشدد فيه دول أخرى القواعد الضريبية على أصحاب الثروات العالية (HNWIs).
المغناطيس الضريبي ذو المعدل الثابت في إيطاليا
على عكس المملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا — التي شددت أو تفكر في فرض ضرائب أثقل على الثروات — عززت إيطاليا جاذبيتها. فقد أطلقت في 2017 نظام الضريبة الثابتة، الذي يسمح للمقيمين الأجانب أو المواطنين العائدين بدفع رسم سنوي ثابت قدره 200,000 يورو على الدخل الخارجي، بغض النظر عن حجمه. ويُعد هذا النظام من أبسط وأكثر الأنظمة سخاءً في أوروبا، مع إعفاءات ضريبية تمتد حتى 15 عاماً.
وبحسب شركة Henley & Partners، قد تستقبل إيطاليا ما يصل إلى 3,600 من أصحاب الثروات العالية الجدد خلال عام 2024 فقط. ومن أبرز حالات الانتقال الأخيرة رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس، أغنى رجل في مصر والمساهم في ملكية نادي Aston Villa FC، إضافةً إلى نائب رئيس Goldman Sachs ريتشارد غنود.
ميلانو في قلب طفرة عقارية
تدفّق رؤوس الأموال أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار العقارات. بيانات Tecnocasa تشير إلى أن سوق الإسكان في ميلانو ارتفع بنسبة 49% منذ 2017، مقارنة بزيادة قدرها 10.9% فقط في مدن إيطالية كبرى أخرى. وتتوقع Knight Frank أن ينمو قطاع العقارات الفاخرة في ميلانو بنسبة إضافية تبلغ 3.5% في 2025.
بحيرات كومو، توسكانا، روما، والريفيرا الإيطالية لا تزال أيضاً نقاط جذب للمشترين الفاخرين، حيث يضع العديد من المستثمرين نمط الحياة والخصوصية فوق منطق الاستثمار التقليدي.
ماتيو بيلا، وسيط أول في Berkshire Hathaway HomeServices ببحيرة كومو، أوضح:
“إنهم يشترون بحدسهم. بالطبع يحسبون الأرقام، لكن كثيرين مستعدون لدفع مبالغ إضافية للحصول على إطلالة أو موقع فريد.”
هجرة الأثرياء عالمياً تتسارع
تزايد جاذبية إيطاليا يأتي في ظل مستويات قياسية من هجرة الأثرياء. خلال العقد الماضي، تضاعفت عمليات انتقال أصحاب الثروات العالية عالمياً ثلاث مرات تقريباً، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة في 2024. ويتوقع المحللون تسارع هذا الاتجاه خلال 2025–2026، مع دخول المزيد من الدول في سباق جذب الأثرياء.
في المقابل، دول أخرى تغلق أبوابها:
-
المملكة المتحدة ألغت نظام الـ non-dom الذي استمر 200 عام في أبريل، مما أدى إلى خروج المصرفيين ومكاتب العائلات الثرية.
-
فرنسا تناقش توسيع نطاق ضريبة الثروة.
-
سويسرا تفكر في تعديلات على ضريبة الميراث.
هذا التباين جعل إيطاليا، إلى جانب قلة من الدول، في موقع قوي لاقتناص سوق الانتقال العالمي.
مخاوف من تفاقم عدم المساواة
رغم النشاط الاقتصادي الناتج عن الإنفاق الفاخر وخلق الوظائف في قطاعات المال والضيافة في ميلانو، يجادل المنتقدون بأن نظام الضريبة الثابتة في إيطاليا قد يوسع فجوة عدم المساواة. إذ تبقى العوائد الضريبية الفعلية صغيرة نسبياً مقارنة بالعجز المالي للدولة، بينما تتركز معظم الفوائد في أحياء النخبة.
كما يحذر بعض الخبراء من احتمال دخول الدول في “سباق نحو القاع”، حيث تتنافس عبر تقديم شروط أكثر سخاءً للأثرياء جداً.
مع ذلك، تبقى الشركات في إيطاليا متفائلة. آنا تشيبرياني، مديرة العضوية في Casa Cipriani Milano، قالت إن تدفق الثروة يخلق دورة إيجابية:
“عندما يأتي الناس للإقامة، وتُفتح الفنادق والأندية، ويظهر اهتمام أكبر من المستثمرين الدوليين، فإن الاقتصاد يخلق المزيد من الفرص للجميع.”