رغم التوصل إلى اتفاق مؤقت، تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين مجددًا، مما يثير قلق الأسواق العالمية.
في الوقت الذي كان من المفترض أن تُسهم الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تهدئة الأوضاع بين أكبر اقتصادين في العالم، جاءت التصريحات الحادة والإجراءات المتبادلة لتقوّض الاستقرار المأمول من هذا الاتفاق المؤقت. ومن الانخفاض الحاد في الصادرات الصينية، إلى تحذيرات أبرز المؤسسات المالية العالمية، تتكشّف مؤشرات واضحة على عودة هشاشة العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين.
تصاعد أزمة الثقة بين الولايات المتحدة والصين
تواجه الهدنة التجارية المعلنة بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية تحديات متزايدة. حيث تبادلت الدولتان الانتقادات العلنية، في ظل تنامي حالة من انعدام الثقة المتبادل بشأن الالتزام بالاتفاق.
وقد أعلنت وزارة التجارة الصينية، يوم الأربعاء، عن نيتها اتخاذ إجراءات قانونية ضد أي أفراد أو مؤسسات تدعم المساعي الأمريكية للحد من استخدام التكنولوجيا الصينية المتقدمة في صناعة أشباه الموصلات. وجاء هذا البيان بعد تحذير صادر عن وزارة التجارة الأمريكية، مفاده أن استخدام رقائق “هواوي” حتى خارج الأراضي الأمريكية قد يُعدّ انتهاكًا للضوابط الأمريكية على الصادرات. ورغم سحب هذا التحذير لاحقًا دون تفسير، إلا أنه تسبب باضطراب واضح في الأسواق العالمية.
اضطرابات متزايدة في سلاسل التوريد والتجارة
تشير بيانات جديدة إلى أن صادرات هواتف “آيفون” والأجهزة المحمولة الأخرى من “آبل” من الصين إلى الولايات المتحدة سجّلت في شهر أبريل أدنى مستوى لها منذ عام 2011. ويُعزى هذا الانخفاض الحاد إلى الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب، والتي أربكت تدفق التجارة وسلاسل التوريد.
وفي ميناء لوس أنجلوس، وهو أكبر ميناء حاويات في الولايات المتحدة، تراجعت حركة الشحن بنسبة وصلت إلى 30% خلال أوائل شهر مايو. وقد تأثّر المستوردون وتجار التجزئة المرتبطون بالصين بشكل خاص، ما يُبرز الأثر الفوري للسياسات الجمركية الجديدة.
تحذيرات من خبراء الاقتصاد وقادة الأعمال
أعرب عدد من كبار الاقتصاديين والمديرين التنفيذيين عن قلقهم إزاء العواقب طويلة الأمد لتصعيد التعريفات الجمركية. فقد صرّح الرئيس التنفيذي لشركة JPMorgan، جيمي ديمون، يوم الإثنين، أن الأسواق تقلل من تقدير التأثير الحقيقي للرسوم الحالية، واصفًا إياها بأنها “شديدة للغاية”. وشاركت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لشركة Citigroup، نفس القلق، مشيرة إلى أن العديد من الشركات تؤجّل استثماراتها بسبب حالة عدم اليقين السياسي.
وفي السياق ذاته، أثار إعلان شركة “وولمارت” عن زيادات متوقعة في الأسعار ردًا غاضبًا من الرئيس ترامب، الذي دعا الشركة إلى “تحمّل الرسوم الجمركية” بدلاً من تحميلها للمستهلكين.
تصعيد في الخطاب السياسي ومؤشرات على تغييرات قادمة
تواصل إدارة ترامب تصعيد خطابها السياسي في ظل تفاقم التوترات. حيث أعلن وزير الخزانة، سكوت بيسينت، أن الولايات المتحدة ستعيد الرسوم الجمركية إلى مستوياتها السابقة إذا لم تُحرز المفاوضات التجارية مع الشركاء الأساسيين تقدمًا خلال فترة التهدئة التي تمتد لتسعين يومًا. وفي مقابلة مع قناة CNN، أشار بيسينت إلى أن 18 شريكًا تجاريًا رئيسيًا تم إخطارهم صراحةً بهذا التوجه الأمريكي.
من جانبه، صرّح الرئيس ترامب يوم الجمعة أن الإدارة ستعلن عن نسب الرسوم الجديدة في الأسابيع القليلة المقبلة، مشيرًا إلى أن بلاده لا تستطيع التفاوض مع جميع الشركاء التجاريين في الوقت نفسه، وبالتالي سيتم العمل على مراحل.
نظرة مستقبلية: التجارة العالمية لا تزال هشّة
يحذّر محللون من أن استمرار حالة الغموض قد يعرّض الاستقرار الاقتصادي العالمي لمخاطر جديدة. ويبدو أن مستقبل الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين يعتمد بشكل كبير على القرارات السياسية والخطوات الدبلوماسية التي ستُتخذ في الأيام القادمة.