لطالما اشتهر وارن بافيت، رئيس شركة بيركشاير هاثاوي الأسطوري، بصرامته في مواجهة حقائق الأسواق وتقلبات الدورات الاقتصادية. وفي رسائله الشهيرة للمساهمين، تبرز تحذيراته شديدة اللهجة حول التضخم، والتي أصبحت أكثر أهمية مع عودة معدلات التضخم العالمي إلى الواجهة هذا العام.
من أشهر اقتباساته في هذا السياق، تلك التي كتبها في ذروة أزمة الثمانينات التضخمية:
“التضخم يأخذنا إلى الجانب الآخر من المرآة، إلى عالم أليس في بلاد العجائب المقلوب.”
ففي نظر بافيت، التضخم لا يعني فقط ارتفاع الأسعار؛ بل يشوّه المنطق المالي، ويخلط بين الربحية الحقيقية والإيرادات التضخمية الزائفة، ويعرّي نقاط ضعف الشركات التي تفتقر للمرونة.
عندما يكشف التضخم الجودة الحقيقية للشركات
في فترات التضخم، تصبح الحدود بين النمو الحقيقي والنمو الوهمي ضبابية. إذ قد تظهر شركات عوائد مرتفعة، لكن هذا في الغالب يعكس ارتفاع الأسعار العام فقط، وليس زيادة حقيقية في القيمة. يصر بافيت على أن الشركات التي تمتلك “ميزة تنافسية دائمة” وقوة تسعير تستطيع فعلاً نقل التكلفة المتزايدة للعملاء والحفاظ على ربحيتها مهما اشتدت الظروف.
أما الشركات الأضعف، فسرعان ما تضغط التكاليف على هوامشها، وتضطر لإنفاق المزيد فقط للحفاظ على استمراريتها، ما يؤدي في النهاية إلى الركود أو حتى الخروج من السوق.
وهكذا، يصبح “الضريبة الخفية” التي يفرضها التضخم قادرة على خداع المحللين والأرقام، وإخفاء التآكل الحقيقي في قيمة الأعمال. ومع تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية واعتماد البنوك المركزية سياسات نقدية متشددة، تصبح انتقائية المستثمر ومعايير الجودة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
الاستثمار الذكي في ظل العاصفة التضخمية
ما هي العبرة للمستثمر الذكي؟
ينصح بافيت بالتركيز على الجودة الجوهرية للشركات، مثل قوة العلامة التجارية، والقدرة على التسعير الفعّال، وضبط التكاليف، وتوفير السيولة دون الحاجة الضاغطة للتمويل الخارجي. فالحصانة الحقيقية في مواجهة التضخم تُبنى على هذه الأسس.
اليوم، ومع قيام الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي بتشديد السياسات، وترقب الأسواق لكل جديد، يُطرح السؤال: هل يتجه المال إلى القطاعات الدفاعية، أم إلى السلع، أم إلى العملات الرقمية كملاذ من تآكل القوة الشرائية؟ المؤكد هو أن التضخم يكشف معادن الشركات، ويبقي فقط على الأكثر صلابة وابتكاراً.
iXDeep: تحليل تأثير التضخم على أسواق الفوركس والعملات الرقمية
تحذيرات بافيت ليست محصورة في أسواق الأسهم فقط. إذ يتأثر سوق الفوركس بشكل مباشر بحالات الذعر التضخمي، مما يخلق تقلبات قوية في العملات الرئيسية. غالباً تدفع موجات التضخم البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، ما يدعم العملات داخلياً بعض الشيء. لكن في حال فقدان الثقة في قدرة السياسة النقدية على السيطرة، قد تواجه العملات تراجعات حادة في الأزواج الكبرى مثل EUR/USD وUSD/JPY.
أما العملات الرقمية، فغالباً ما يجتذب التضخم المستثمرين للبحث عن “بيتكوين” و”إيثريوم” كأدوات للتحوط ضد فقدان القيمة. لكن حذاري: إذا استعادت البنوك المركزية زمام الأمور، يمكن أن تعود التدفقات مجدداً إلى العملات الرئيسية، ما قد يسبب تقلباً شديداً في أسواق الكريبتو.
لعملاء iXbroker، يظل الحل الأمثل هو متابعة المؤشرات الاقتصادية أولاً بأول، وتحديث استراتيجيات المخاطرة، وتقديم معيار الجودة كعنصر لا غنى عنه سواء في الأسهم أو العملات أو الأصول الرقمية.
