تواصل أسعار النفط هبوطها لليوم الثاني على التوالي، على الرغم من تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على صادرات الطاقة الروسية. وبينما تحاول واشنطن زيادة الضغط على موسكو، تبقى الأسواق متشككة بقدرة هذه التهديدات على إحداث اضطراب فعلي في الإمدادات العالمية على المدى القصير. يركز المستثمرون بشكل أكبر على البيانات الأساسية، وحركة العرض والطلب، وتحديدًا على ديناميكية آسيا مع الصين والهند كلاعبين رئيسيين.
يوم ثانٍ من التراجعات: الشك يسيطر على الأسواق
انخفض خام برنت إلى ما دون 69 دولارًا للبرميل بعد خسارة إضافية بنسبة 1.6% يوم الاثنين. ويأتي هذا في ظل تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على النفط والغاز والمنتجات المكررة الروسية، في حال لم توقف موسكو عملياتها العسكرية في أوكرانيا خلال 50 يومًا. تعرف هذه الإجراءات بـ”العقوبات الثانوية”، حيث لا تستهدف روسيا فحسب، بل تشمل أيضًا كبار المشترين الدوليين وخاصة الهند والصين.
وأشار السفير الأمريكي لدى الناتو، مات ويتاكر، إلى أن القيود الجديدة ستؤثر على جميع الدول التي تستورد النفط الروسي، ما قد يغير مسارات الإمداد عالميًا. لكن خبراء مثل جيوفاني ستاونوفو من UBS يؤكدون أن “فترة السماح” البالغة 50 يومًا التي مُنحت لموسكو، تحد من مخاطر حدوث اضطراب فوري في السوق، وبالتالي تظل الأسعار تحت ضغط هبوطي.
الهند والصين: شراكة استراتيجية في واردات النفط الروسي
منذ بدء النزاع الأوكراني عام 2022، أصبحت الهند والصين أكبر مستوردين للنفط الروسي، حيث تستفيدان من خصومات كبيرة. زادت المصافي الهندية وارداتها بشكل ملحوظ، فيما حافظت الصين، أكبر مستورد للنفط عالميًا، على وتيرة عالية من الشراء مستفيدة من الأسعار التفضيلية.
ساعد ذلك روسيا على الحفاظ على مستويات مرتفعة من الصادرات رغم العقوبات الغربية. ولهذا السبب، لا يتوقع للأسواق أن تتأثر سريعًا بتهديدات ترامب في الأجل القريب.
مشهد عالمي: أوبك+ والمخزونات واتجاهات السوق
سجّل خام برنت تراجعًا بنحو 8% منذ بداية العام، وسط توترات جيوسياسية وتغيرات في السياسات الجمركية الأمريكية وإجراءات منظمة أوبك+. ومع ذلك، تظهر بعض المؤشرات الفنية دعمًا سعريًا على المدى القصير: إذ يتداول العقد الفوري لبرنت بعلاوة تزيد على دولار واحد مقابل الشهر التالي، ما يُشير إلى طلب قوي حالياً وتقييد في العرض.
غولدمان ساكس يرفع توقعاته لعام 2025
رفع بنك غولدمان ساكس توقعاته لسعر برنت في النصف الثاني من 2025 إلى 66 دولارًا للبرميل (أعلى بـ5 دولارات من تقديره السابق)، مستندًا إلى انخفاض المخزونات في الدول الصناعية وتزايد الطلب الأمريكي على الوقود المكرر. ومع ذلك، ظل البنك حذرًا لتوقعاته لعام 2026، حيث يستمر في ترجيح أسعار أقل (56 دولارًا للبرميل) في ظل مخاطر زيادة المعروض.
الطلب الآسيوي ثابت — تفوق المصافي الصينية
تواصل آسيا دورها المحوري في ديناميكيات السوق، حيث رفعت الصين، أكبر مستورد للنفط عالميًا، قدراتها التكريرية في يونيو إلى 15.2 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2023. هذا التوسع في الطاقات التكريرية الصينية يعزز الأسعار بالرغم من مؤشرات التباطؤ الاقتصادي العالمي.
إلا أن التوازن مُعرض للخطر: أي تراجع غير متوقع في الصين أو تغيير مفاجئ في سياسات إنتاج أوبك+ قد يهز الأسواق بسرعة.
iX Deep: العد التنازلي الجيوسياسي في الأسواق المالية
يمثل المهلة الأمريكية المتمثلة بـ50 يومًا تهديدًا جيوسياسيًا جديدًا لأسواق الطاقة والعملات:
- العملات: قد تزداد تقلبات الروبل الروسي والعملات المرتبطة بالسلع في حال تنفيذ عقوبات ثانوية شاملة.
- السلع: يظل الدعم الفني قصير المدى قائمًا، لكن إعلان أوبك+ أو تغييرات في الطلب الآسيوي يمكن أن تقلب الموازين.
- تقلبات أوسع: كلما اقترب موعد انتهاء المهلة، سترتفع التذبذبات في النفط وعملات الأسواق الناشئة وحتى العملات الرقمية.
خاتمة: الأسواق تترقب حسم التوقيت
تعكس حركة أسعار النفط مشهدًا معقدًا: ضغوط سياسية شديدة، وسعي لتحقيق توازن بين العرض والطلب، وصعودٍ متزايد لدور آسيا في المشهد العالمي. سيبقى الاختبار الحقيقي عندما يحين موعد نهاية الـ50 يومًا التي حددها ترامب، حيث ستتابع الأسواق عن كثب التطورات من الصين ومنظمة أوبك+ وسياسات تصدير روسيا.
