خلفية النزاع التجاري المتصاعد
يعيش العالم هذه الأيام على وقع تصاعد لافت في التوتر التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. فقد أعلنت بروكسل أنها قد تفرض رسوماً جمركية تصل إلى 21 مليار يورو (24.5 مليار دولار) على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية إذا لم تثمر المفاوضات الجارية عن اتفاق يُجنب الطرفين هذا التصعيد. جاء هذا التحذير بعد إعلان واشنطن عن نيتها دراسة فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على منتجات من المكسيك ودول الاتحاد الأوروبي، في خطوة تهدد بخروج الحرب التجارية عن السيطرة ما لم يتم احتواؤها بسرعة.
أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني في مقابلة مع صحيفة Il Messaggero الإيطالية:
“أعددنا فعليًا قائمة مستهدفة من المنتجات الأمريكية التي قد تشملها الرسوم. وإذا فشلت المفاوضات، سندخل حيز التنفيذ في أوائل أغسطس، مع استعداد لتوسيع القائمة إذا تطلب الأمر ذلك.”
الاتحاد الأوروبي يعطي أولوية للحلول السلمية ولكنه جاهز للرد
رغم إبداء الاتحاد الأوروبي استعداده الكامل لاتخاذ هذه الإجراءات الدفاعية، إلا أن الرسالة الأبرز تكمن في استمرار الرغبة في التوصل إلى تسوية سلمية عبر المفاوضات. فقد مدد الاتحاد المهلة حتى مطلع أغسطس لإتاحة مزيد من الوقت للتوصل لاتفاق إيجابي يجنّب جميع الأطراف ويلات التصعيد الذي قد يلحق الضرر بالمستهلكين والأعمال التجارية على جانبي الأطلسي.
من جهته، صرّح نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماريك شيفشوفيتش:
“رسوم بهذا الحجم قد تعيق بشكل شبه كامل التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتؤدي لاضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية.”
مواقف أوروبية موحّدة… وقلق من ركود اقتصادي
تتّسم المواقف داخل الاتحاد الأوروبي بالتماسك والوحدة في هذه الأزمة: فقد شددت كل من فرنسا وألمانيا على ضرورة استمرار الحوار وتجنّب التصعيد. المستشار الألماني فريدريش ميرتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكدا على أن هدف أوروبا الرئيسي هو استقرار العلاقات التجارية عبر الأطلسي وإدامة قنوات التفاهم مع واشنطن.
غير أن المخاوف تزداد من تداعيات اقتصادية أوسع، حيث تؤكد مجلة يورونيوز أن مجرد الإعلان عن فرض رسوم وشيكة أدى لارتفاع التذبذب في البورصات الأوروبية والأمريكية، مع انخفاض المؤشرات الرئيسية وزيادة توتر المستثمرين، خاصة أن الاقتصاد العالمي لا يزال في طور التعافي من تداعيات كورونا.
دعوات لدعم من البنك المركزي الأوروبي
وفي مواجهة هذه التهديدات، تتزايد الضغوط على البنك المركزي الأوروبي لاتخاذ تدابير عاجلة تعزز مناعة الاقتصاد الأوروبي. دعا أنطونيو تاجاني البنك المركزي إلى اعتماد سياسات أكثر توسعية، مثل التيسير الكمي (Quantitative Easing) وخفض أسعار الفائدة، لدعم النمو وتحفيز الاستثمار:
“نحتاج لاستجابات قوية من البنك المركزي لتجديد الثقة ودعم الأسواق والشركات الأوروبية.”
استراتيجية طويلة المدى: نحو سوق أطلسي موحد
الملاحظ أن أوروبا، ورغم التصعيد الحالي، لم تتخل عن رؤيتها الإستراتيجية لإقامة منطقة تجارة حرة واسعة النطاق تضم الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، كندا والمكسيك، دون حواجز جمركية. يرى تاجاني أن التطلّع لهذا الهدف يمكن أن يمثّل حجر زاوية في الانتعاش الاقتصادي وتلبية تطلعات الشركات والمستهلكين مستقبلاً:
“هدفنا النهائي هو تجارة قائمة على الانفتاح الكامل وإزالة كل الحواجز على ضفتي الأطلسي.”
الأسواق ومعضلة المستقبل القريب
سيحدد مصير المفاوضات حتى بداية أغسطس مستقبل العلاقات التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. يدرك الجميع في بروكسل وواشنطن حجم المخاطر، لكن الرسالة الأوروبية واضحة: الاتحاد الأوروبي مستعد للرد بقوة، لكنه لا يزال يفضل الحلول التوافقية لتفادي حرب تجارية شاملة ستضر بالجميع.